تحويل الكتابة إلى لوحة، واللوحة إلى كتابة، هذه مجابهة لا يخوضها الفنان ولا الكاتب إلا نادرا، هل هي لازمة للفنان والكاتب لا طبعا، لكنها لازمة لكليهما عندما يتوقان بحثا عن الجديد. فالجديد ليس ما يختلف عن القديم فقط، بل الجديد يحتاج إلى متلق جديد أيضا.
المجموعة القصصية (مرويّات الذئب) للكاتب لؤي حمزة عباس، والمصورة من الفنان علي آل تاجر، والصادرة عن دار شهريار 2019. هي نوع من المجابهة الجديدة النادرة، المجاميع القصصية والروايات المصورة ليست جديدة على الآدب، لكن أن يصل المستوى الإبداعي للنص والصورة إلى هذه الدرجة من الكمال فهذا نادر حقا، لم نألفها في المجاميع المصورة، إذ نرى دائما الصورة المرسومة على هامش النص وأقل مستوى منه وكأنها لملئ الفراغ الأبيض الموحش، عكس ما نراه في (مرويّات الذئب)، حيث النص والصورة يشكلان مجموعةً متكاملةً، وكأن الطرفين أتفقا على أن يُخلقا لنا عملا فنيا متكاملا، لا النص يخرق الصورة، ولا الصورة على الهامش، بل هي متكاملة ولازمة معه.
نشاهد في المرويات نصوصا قصصية (... فنتازية ذات منحى صوفي، تمكّنها اللغة المقطّرة، البعيدة عن كلِّ ثرثرة ولغو، من الوصول برشاقة إلى الأسئلة الكبرى، بحثاً عمّا خلفها من رؤى ومعان)، بحثا من نفس هذا النص نشاهد أعمالَ الفنان علي آل تاجر، ذات منحى رامز بمستوى عال، خالية من الترهل في الأشكال، وهنا الفنان يتعمد ذلك حتى في استخدامه اللون، فنراه زاهدا صوفيا يستخدم اللونين الأزليين في المنحى الصوفي، الأبيض والأسود بذكاء المبدع وزهد العارف، يبحث في مخيلتنا، ماسكا بأحلامنا، يشكلها ينحتها، ويخرجها بحميمية، قلّما نشاهدها في مثل هذه المجموعات المصورة، وهنا نشاهد صوفية النص "الأشارة"، وزهد الصورة "الأشكال"، حيث يكتسبا في (مرويّات الذئب) قيمة نصية عالية تسمو بين النص والصورة.
قد يتبادر للكثيرين من القراء وحتى للجميع، هناك نوع من الإتفاق بين الكاتب والرسام على إنتاج من هذه المجاميع المصورة، بكل تأكيد بحيث تقل الحرية بينهما ويزيد من الإلتزام، لكن ما يميز هذه المجموعة (مرويّات الذئب) بالذات هو الحرية، والإستقلالية العالية، التي عملا عليها الكاتب والفنان. بحيث لا يلزم النصُّ الصورةَ ولا تلزم الصورةُ النصَّ، فنلمس روحيّة سرد لؤي حمزة عباس، وحميمية أشكال علي آل تاجر، وكيف اتفقا بالطبع، إذ كلاهما يستقي من نهر الصوفية العالي.
الصور المرفقة، مجموعة الأعمال التي تحتويها مجموعة (مرويّات الذئب)، رسمها الفنان علي آل تاجر
جابر حجاب .فنان و ناقد